حوت يونس

خرج يونس -عليه السلام- إلى البحر لِيركَب سفينة تُقِلّه بعيداً عن قومه بعد أن أصابه الغضب والضجر منهم، فركب إحدى السفن التي امتلأت بالركّاب، وبدأت السفينة بالإبحار إلى أن جاءها الموج وثقلت بمن فيها؛ فتوقّفت في عَرض البحر، وتشاور الركّاب في أزمة الثقل واتّفقوا على إجراء قرعة بينهم، ومَن أصابته القرعة ألقوه في البحر، فوقعت القرعة على يونس -عليه السلام- فلم يُنفّذوها لأنّه كان صالحاً وصاحب خُلق، إلّا أنّ القرعة كانت تُصيبه في كل مرّة، فلم يجدوا مفراً من ذلك فألقوه في البحر، وأمر الله -تعالى- حوتاً عظيماً بابتلاعه دون أن يأكل لحمه أو يكسر عظمه، ولبث -عليه السلام- في بطنه حيّاً مُسبّحاً وذاكراً لله -تعالى- داعياً أن يُنجّيه الله من الظلمات، وقد عاش -عليه السلام- في ظلمات ثلاث؛ ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت، تائباً عمّا كان منه من ترك دعوة قومه وضجره من كفرهم وعدم صبره عليهم، قال -تعالى-: (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَـهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ). وبعدما تاب الله -تعالى- عليه لكثرة صلاته وتسبيحه استجاب -عز وجلّ- دعاءه، قال -تعالى-: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ)، فقد أمر الله -تعالى- الحوت بقذفه على الساحل؛ فقذفه ضعيفاً عارياً يحتاج الستر والظل والطعام؛ فمَنّ الله -تعالى- عليه بنعمه، قال -تعالى-: (فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ)، فبنعم الله -تعالى- التي أحاطت به نُبذ بالعراء لكنّه غير مذموم، قال -تعالى-: (لَّوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ).