أصحاب الكهف

قصة أصحاب الكهف، هي واحدة من أهم القصص القرآنية التي تحمل بين طياتها الكثير من المعاني والعبر، والتي تعبر عن لطف الله بعباده المؤمنين الصادقين ورعايته لهم وعنايته بهم، حين حفظ مجموعة من الفتية الذين ليس لهم من حولٍ ولا قوةٍ أمام ظلم ملكهم الجائر،  كما تمثل قصة أصحاب الكهف أيضاً، في نظر  المفسرين، دليلاً قوياً على حقيقة البعث بعد الموت، فالله ، عز وجل، الذي أحيا هؤلاء الفتية من رقادهم بعد 309 سنين، قادر على أن يبعث أرواح الناس بعد مئات بل وآلاف السنين حين يشاء ويرغب.

من هم أصحاب الكهف

كرَّم الله، تعالى، أصحاب الكهف عبر ذكر قصتهم في القرآن الكريم في سورة الكهف، تخليداً لذكرى هذه المجموعة من الفتية المؤمنين الذين اختلف المفسرون في معرفة عددهم على وجه التحديد، والذين فروا بدينهم هرباً من جبروت الملك الظالم "دقنيوس" حاكم مدينة "أفسوس" الذي دأب على دعوة قومه لعبادته ولعبادة الأصنام وللكفر بالله، تعالى، كما عمل على تعذيب المؤمنين وقتلهم والتنكيل بجثثهم عقاباً لهم على إيمانهم ،ولترهيب بقية أبناء قومه من فكرة الإيمان بالله، تعالى.
آمن أولئك الفتية الذين يقال أنهم كانوا على دين عيسى بن مريم، عليه السلام،  بربهم ورفضوا مظاهر الشرك وعبادة الأصنام التي يدعوا إليها ملكهم، فزادهم الله هدىً وتقوى ورشداً وإيماناً وتمسكاً بعقيدتهم، ومكنهم من معرفة الحق وتجنب الباطل، فرفضوا المال والجاه والسلطان الذي عرض عليهم كي يكفروا بالله، تعالى، ولم ينصاعوا للخوف والجبن رغم  ما حاق بهم من خوفٍ نتيجة تهديد الملك الجائر والكافر بوحدانية الله، تعالى، لهم، بالتعرض لصنوف العذاب والهوان والقتل، وذلك بعد أن قام باستدعائهم لقصره ذات يوم، كي يعرض عليهم المشانق التي علقت في باحات القصر وقد علقت بها جثث المؤمنين وأشلاء الضحايا الذين قتلهم ونكل بجثثهم لترهيبهم ولمنعهم من الإيمان بوحدانية الله، عز وجل.
بعد ذلك منح الملك الجائر أولئك الفتية، والذين كانوا من أبناء علية القوم في بلدته، لحداثة سنهم ولجهلهم بعاقبة مخالفتهم لدعوته لهم بالكفر وتقديم القرابين لآلهته، مهلة كي يعيدوا التفكير في المصير الذي ينتظرهم في حال أصروا على التمسك بإيمانهم، فاتخذ الفتية من هذه المهلة فرصةً للهروب من هذا المصير القاسي الذي أعده لهم هذا الملك الظالم.
اتفق الفتية على الهروب في جنح الظلام، وقد حملوا معهم بعض النقود، وبحثوا طويلاً عن ملاذٍ يحميهم من بطش ملكهم الظالم، وفي الوقت نفسه ليقيهم من حرارة الشمس ومن السباع الضارية، فوجدوا هذا الكهف الذي أووا إليه يلتمسون فيه الأمان والطمأنينة، في مكانٍ لا يأمن فيه الإنسان عادةً على نفسه من لدغ الحشرات والعقارب والثعابين السامة، لكنهم دخلوه بهدي الله، تعالى، الذي اختار لهم هذا الكهف تحديداً دون سواه، كي يكون مأوىً لهم لمئات السنين القادمة.

إعجازٌ إلهي

توالت المعجزات الإلهية التي أحاطت بفتية الكهف الذين لجأوا إلى ربهم واستعانوا به فأعانهم وحماهم، فدخلوا الكهف فيما لبث كلبهم على بابه، لتتوالى المعجزات الإلهية في التناوب على أولئك الفتية، حيث اكتشف العلماء لاحقاً تميز هذا الكهف عن غيره من الكهوف في بنيته وفجواته التي ضمنت تهويته بشكلٍ جيدٍ كي لا تفسد أجساد الفتية النائمين بداخله، وذلك عبر فتحة تتصل بفناءٍ يعلوه فجوة لدخول الشمس وللتهوية، كما اكتشف العلماء ذروة الإعجاز الرباني في موقع هذه الفجوة التي تدخل منها أشعة الشمس من جهة الجنوب الغربي، فإذا ما وقف شخصٌ بداخل الكهف في وقت الأصيل فإن الشمس تتوارى عنه ذات اليمين كما وصف المولى، عز وجل، في آياته المحكمات.

حيث أراد الله، تعالى، أن يجعل من هؤلاء الفتية آية لقومهم وللأقوام التي ستأتي من بعدهم، فهم الدليل القاطع على قدرة الله، تعالى، المطلقة على الخلق ومنح الحياة والموت لمن يشاء ودليل على أنه وحده الذي يحيي ويميت ويبعث من في القبور حين يشاء.
ومن ثم كانت المعجزة الإلهية في المحافظة على أجساد هؤلاء الفتية سليمةً معافاة، وذلك بسبب تقليبهم ذات اليمين وذات الشمال لتحريك الدورة الدموية ولمنع أجسادهم من التقرح نتيجة النوم الطويل على الأرض، فيما يرقد كلبهم وهو ممدد الذراعين أمام مدخل الكهف، وقد اكتشف العلماء لاحقاً أن لدى الكلاب مادة تحمي أجسادها من التقرح أثناء النوم الطويل على البطن وهي معجزة أخرى من المعجزات التي تتكشف عنها هذه القصة عبر الآيات القرآنية الكريمة.
ثم تأتي المعجزة التالية وهي استيقاظ هؤلاء الفتية من نومهم وهم غير مدركين للفترة التي قضوها وهم نيام، فبدأوا يتساءلون فيما بينهم عن عدد الأيام التي قضوها وهم نائمين وعندما عجزوا عن تخمينها، قرروا إرسال أحدهم للمدينة كي يأتيهم ببعض الطعام، وعندما قدم لهم هذا الفتى النقود التي بحوزته لشراء الطعام، اكتشف القوم أنها نقودٌ تعود لعصورٍ خلت وأن هذا الفتى لابد وأن يكون أحد الفتية المعروفين بأصحاب الكهف.

عبرة وعظة لأولي الألباب

تتجلى قصة نزول سورة الكهف عن العديد من العظات والعبر، حيث نزلت السورة على نبينا الكريم محمد، صلى الله عليه وسلم، قبل الهجرة إلى الحبشة، ويرى المفسرون أن توقيت نزولها يعبر عن رغبة الله، عز وجل، في طمأنة المسلمين الذين كانوا يتعرضون لشتى صنوف العذاب على يد كفار قريش، وذلك لتثبيتهم على الإيمان ولمنحهم الشجاعة والقدرة على الصبر على التعذيب وتحمل الأذى الذي يتعرضون له.
كما نزلت سورة الكهف لمنح الرسول، صلى الله عليه وسلم، الإجابة عن بعض الأسئلة التي تؤكد نبوته، حيث تقول بعض الروايات أن جماعةً من كفار قريش طلبوا من أحبار اليهود أن يخبروهم عن أمر محمدٍ إن كان نبياً أم مدعياً لأنهم من أهل الكتاب ولهم علم بالرسل، فطلب منهم أولئك الأحبار أن يسألوا محمداً، صلى الله عليه وسلم، عن بعض الأمور التي تؤكد أو تنفي صدق نبوته، ومنها أسئلة عن الفتية  أصحاب الكهف، وعن ذي القرنين وعن الروح، وبالفعل توجه الكفار إلى رسولنا الكريم ليسألوه فطلب منهم الانتظار حتى الغد كي يجيبهم على أسئلتهم، دون أن يقول إن شاء الله، وهو ما جعل الوحي ينقطع عنه 15 ليلةً كاملة، ثم عاد إليه بإجابات على أسئلة آل قريش عبر سورة الكهف.