قصة هدهد سليمان عليه السلام 

إن في خلق الله عز وجل، وما خص به كل مخلوق من مخلوقاته، عبرة لمن يعتبر، وذكرى لمن يتذكر، قال تعالى في محكم آياته: (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) النحل: 79، وقال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ) الملك: 19. ومعلوم أن الله جل ذكره أعطى كل مخلوق خواص يعيش بها، وتحوج غيره إليه، وذلك لتستمر الحياة وتتعاون المخلوقات، وفي القرآن ذكر طائر له خواص جعلت منه مبعوث نبي إلى ملكة، وجعلته داعياً إلى الله عزو وجل، مؤمناً بفكرة ومدافعاً عنها.

وذكر الدارسون عن خصائص المخلوقات أن للهدهد فصائل متعددة وقد ذكر القرآن الكريم الهدهد بصفته مبعوثاً من قبل سيدنا سليمان عليه السلام إلى ملكة سبأ، فقال الله جل ذكره وهو يتحدث عن سليمان عليه السلام عند حشد جنوده: (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ). ويفهم من هذا النص الكريم أن سليمان عليه السلام كان المتفقد لرعيته صغيرها وكبيرها، حتى إنه ليبحث عن الهدهد فلما لم يره تساءل قائلاً: (ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين). ونرى احتياط سيدنا سليمان عليه السلام في تعبيره حيث إنه لم يتهم الهدهد بالغياب عن مكانه، أو التهرب من عمله، وإنما قال أولاً: ما لي لا أرى الهدهد لعل شيئاَ ستره، أو لعل عينيَّ لا تراه، ثم لما تبين أنه غائب بالفعل قال أم كان من الغائبين، وعندما تأكد أن الهدهد قد تغيب فعلاً توعده قائلا: لأعذبنه عذاباً شديداً أو لأذبحنه، إلا أن تكون له حجة مقبولة أو عذر واضح تسبب في تغيبه.

وبعد فترة وجيزة جاء الهدهد ليقول لسليمان عرفت ما لم تعرف، وأبصرت ما لم تبصر، وسأخبرك بما عرفت، وأبصرت، وقال: رأيت ملكة سبأ، رأيت امرأة تملك القوم، فرأيتها مُمَكَّنة، وذات عرش عظيم، ومنحت من كل شيء يمنحه ملوك أمثالها، لكن الأخطر والأهم أن القوم جميعهم يعبدون الشمس من دون الله، وبصفتي مؤمناً وأحمل دعوة الله عز وجل، وبصفتك رجلاً تحب الجهاد، أحببت أن أعلمك أمرها، لترى فيها رأيك، ومن ثم وضعت الأمر بين يديك، وأنا في انتظار توجيهاتك، وإني لعلى يقين من أن الشيطان صدَّ هؤلاء عن سبيل الله وزين لهم أعمالهم، وكان ينبغي لهؤلاء الناس أن يتعقلوا ويعبدوا قيوم السماوات والأرض الذي يتنزل أمره بينهم، ويخرج كل ما في السماوات والأرض، ويعلم ما يخفي الناس وما يعلنون، وإني لعلى يقين كذلك أن العرش الذي ليس فوقه عرش، والملك الذي لا يعظمه ملك، هو ملك قيوم السماوات وعرشه.

وبعد أن سمع سليمان قول الهدهد واعتذاره استحسن قوله لكن لم يمنعه ذلك أن يختبر صدقه، فقال له: سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين اذهب بكتابي هذا، وأعطاه خطاباً ليلقيه عند ملكة سبأ - فألقاه إليهم ثم تولَّ عنهم أي ابتعد قليلاً واستمع لما يقولون فانظر ماذا يرجعون.

وهنا انتهى دور الهدهد لكن ترتب على عمله تحول مجتمع كامل من الكفر إلى الإسلام وإثبات حقيقة هذا الدين عن طريق ما قص علينا ربنا موقف الملكة وما ترتب عليه من أمور كثيرة أدت إلى إيمانها بالله عز وجل بعد اعترافها بظلم نفسها بالكفر: (قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين) النمل: 44.

فهذا الطائر من مخلوقات الله التي ورد ذكرها في القرآن الكريم وله قصة كانت سبباً في إسلام ملكة سبأ وكل من معها مع سليمان لله رب العالمين، فسبحان من خلقه وألهمه الصواب.