بقرة بني إسرائيل

ذكر ابن عبّاس وعبيدة السلماني وغيرهم أنّه كان في بني إسرائيل رجل كبير في السنّ له مال كثير، وكان له بنو أخ يتمنّون موته لِيرثوه؛ فقتله أحدهم في الليل وتركه في الطريق وقيل: على باب أحدهم، واختصم الناس في أمره عندما علموه، وجاء ابن أخيه يصرخ فيهم، واتّفق الناس على عرض القضيّة على نبيّ الله موسى -عليه السلام- وأن يسأل الله -تعالى- فيها، ولمّا عرضوها عليه كان أمر الله -تعالى- أن يذبحوا بقرة؛ فلم يُعجبهم ذلك، وقد أخبرهم موسى -عليه السلام- أنّه لا يقول لهم إلّا ما يُوحَى إليه، قال -تعالى-: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّـهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ)، ثمّ سألوا عن سنّها ولونها وصفاتها، ولو أنّهم ذبحوا أيّ بقرة لحصل المقصود منها. ولكنّهم شدّدوا على أنفسهم فشدّد الله -تعالى- عليهم؛ إذ أمرهم بما كان وجوده نادراً، وذلك بأن تكون عواناً؛ أي وسطاً بين الفارض؛ أي الكبيرة، والبكر؛ أي الصغيرة، وأن يكون لونها أصفراً فاقعاً؛ أي مُشرَباً بالحُمرة، وبعد معرفتهم سنّها ولونها سألوا أسئلة أكثر عنها، قال -تعالى-: (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاءَ اللَّـهُ لَمُهْتَدُونَ)؛ فضيّق الله -تعالى- عليهم بصفات البقرة أكثر، قال -تعالى-: (قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَّا شِيَةَ فِيهَا)؛ أي أن تكون ذلولاً يعني ليست للحراثة وسقي الأرض، وأن تكون مُسلّمة؛ أي صحيحة لا عيب فيها، وأن لا يكون فيها لون يُخالف لون الصفرة الفاقعة، ولم يجدوا بقرة بهذه الصفات إلّا عند رجل ورفض بيعها لهم في البداية، وعندما رغّبوه في ثمنها؛ إذ دفعوا بوزنها عشر مرّات ذهباً فباعها لهم؛ فذبحوها وهم مُتردّدون في أمرها، قال -تعالى-: (قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ)، ثمّ أمرهم الله -تعالى- أن يضربوا القتيل ببعض البقرة؛ فقيل: بلحم فخذها، وقيل: بالعظم الذي يلي الغضروف، وقيل: بالبضعة التي بين الكتفين، ولمّا فعلوا ذلك أحيا الله -تعالى- القتيل فسأله نبيّ الله موسى -عليه السلام- عن قاتله فأخبر عنه، ثمّ عاد ميتاً، قال -تعالى-: (فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّـهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).