آسيا بنت مزاحم

ثبت أن اسم امرأة فرعون "آسيا"، وقيل إن اسم والدها مزاحم، وقد منّ الله تبارك وتعالى عليها بكفالة نبيه موسى عليه السلام صغيراً، وقد آمنت به كبيراً، كما أعانها عز وجل على تحمل الأذى في سبيل ثباتها على الدين، فكان ثوابها عند الله عظيماً، فالقرآن الكريم حدثنا عن موقف مشرف لهذه المرأة قبل إيمانها في دفاعها عن نبي الله موسى عليه السلام لدى فرعون واستيعابها له حين أراد فرعون قتله، وهو الذي جعلها سببا رئيساً في نجاته من القتل والإبقاء على حياته، وقد كبر بعد ذلك وبعثه الله رسولاً، وكان هلاك فرعون ونجاة بني إسرائيل على يديه.

نموذج للتفاؤل

جاء في كتاب الله تعالى ﴿وَقَالَتِ ٱمْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّى وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰٓ أَن يَنفَعَنَآ أَوْ نَتَّخِذَهُۥ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ القصص: 9، وكان هذا على لسان آسيا، ففي الوقت الذي التقط فيه آل فرعون تابوت موسى عليه السلام من الساحل وحملوه إلى فرعون، وقفت امرأة فرعون تدافع عن الطفل الصغير وتحبب آل فرعون فيه، وقد حنن الله قلبها عليه وحببه إليها ﴿قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ﴾، فرجت نفعه وتوسمت فيه الخير، فتركه فرعون، وكان موسى عليه السلام سبباً في انتفاعه به وإنقاذها من الكفر إلى الإيمان ومن الضلال إلى النور، ورفع منزلتها ومقامها في الدنيا والآخرة.
وإن هذا الخطاب الرائع في متانته ورقته وإقناعه ﴿قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾ له أثر في أعظم طاغية عرفه التاريخ البشري، وقد حمت موسى عليه السلام بتعاطفها وحبها.
وفي قول آسيا امرأة فرعون ﴿قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ﴾ فضل الفأل الحسن، وقد نالها ما رجت من النفع؛ أما في الدنيا فهداها الله به، وجعل لها أحسن الثناء في الآخرين بقوله تعالى وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱمْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ٱبْنِ لِى عِندَكَ بَيْتًا فِى ٱلْجَنَّةِ وَنَجِّنِى مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِۦ وَنَجِّنِى مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ التحريم:11، فاستعملها الله سبحانه وتعالى بطاعته وصبرها.
ولقد ظهرت آسيا بنت مزاحم في حياة موسى عليه السلام صاحبة دور، وأي دور إنه دور الأم والمربية والحاضنة ثم المؤمنة بالرسالة المتبرئة من فرعون وعمله، الداعية إلى الله تعالى أن يغنيها عن قصرها في الدنيا ببيت في الجنة.

قدوة في الصبر

وقد صبرت آسيا على تكاليف الإيمان وتعرضت للأذى والتعذيب، وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال "كانت امرأة فرعون تعذب بالشمس، فإذا انصرفوا عنها أظلتها الملائكة بأجنحتها، وكانت ترى بيتها في الجنة".
وكانت كلمة واحدة تنقذها من القتل البشع وتعيدها لتهنأ في النعيم، فماذا اختارت آسيا بنت مزاحم؟ اختارت رضى الله والقرب منه ﴿ربِ ابنِ لِي عِندك بيتا فِي الجنةِ﴾ سورة التحريم الآية 11، لقد اختارت كما يقول العلماء "الجار قبل الدار"، اختارت ربها فقالت ﴿ربِ ابنِ لِي عِندك بيتا فِي الجنةِ﴾ ولم تقل رب ابن لي بيتا عندك في الجنة، ولقد حقق الله الأمل والرجاء بعد أن صبرت على البلاء والتضحية. (الدور التربوي للمرأة، ص 103).
امرأة فرعون "آسيا بنت مزاحم" آمنت بالله عز وجل، ورأت النور بقلبها فعذبها فرعون، ولكنها صبرت وتعلقت بالله تعالى وناجته ودعته فاستجاب الله دعاءها، قال تعالى ﴿وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱمْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ٱبْنِ لِى عِندَكَ بَيْتًا فِى ٱلْجَنَّةِ وَنَجِّنِى مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِۦ وَنَجِّنِى مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ﴾ سورة التحريم: 11.

إن آسيا بنت مزاحم كانت نموذجاً في الثبات وصلابة الإيمان وقوة المعتقد، ولم يضرها كفر زوجها وطغيانه، إذ كانت مؤمنة بالله لأن من أحكام الله في خلقه ﴿أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ﴾ سورة النجم - 38