ذو القرنين وقوم يأجوج ومأجوج

قصة يأجوج ومأجوج من القصص القرآنية التي تتميز بالإعجاز القرآني الفريد، حيث يخبرنا الله، عز وجل، من خلالها عن حادثة فريدة بدأت في العصور القديمة ويمتد أثرها إلى أن يشاء الله بخروج قبيلتي يأجوج ومأجوج مجدداً إلى سطح الأرض فيما يعد علامة من العلامات الكبرى لقيام الساعة.

ذكرت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة عن ذي القرنين، وهو القائد الذي ارتبط اسمه مع قصة يأجوج ومأجوج، بأنه كان مثالاً للحاكم العادل الذي يُجري الله الحق على يديه، فخرج من بلدته، لينشر الإيمان بعد أن آتاه الله من كل شيء سبباً، فهو مطلع على الكثير من العلوم ويمتلك أسباب التمكين في الأرض كالقوة والحكمة والأموال، إضافة لجيشٍ قوي ومجموعة كبيرة من المستشارين في مختلف العلوم الهندسية والطبية والعسكرية والاجتماعية وغيرها، فأخذ يطوف بجيشه الأرض بهدف الدعوة إلى الله، ولإقامة العدل بين الناس.

أهل الغرب وأهل الشرق

توجه ذو القرنين في بداية رحلته نحو الغرب الأقصى، فوجد الشمس تغرب فيه كأنها تتوقد وتشتعل، وقيل إنه رآها تغرب في منطقة حمم بركانية، ورأى في تلك المنطقة أناساً يظلمون الضعفاء ويسرقون ويفعلون المنكرات، فخيره جيشُه بين أن يعذب الظالمين ويأخذ على يد الضعيف، وبين أن يحسن للجميع ويرضيهم، فكان رأيه أن يكافئ المحسن على إحسانه، ويعاقب المسيء على إساءته، وعمل بناءً على هذا المبدأ لإرساء العدل والتوازن في المجتمع حتى أثناء غيابه عنه.

بعد أن أصلح ذو القرنين أحوال أهل الغرب، توجه نحو الشرق ليطلع على أحوال أهله، ولكي يدعوهم للإيمان بالله، تعالى، ويحكم فيهم بشرع الله، فوجد في تلك المنطقة قوماً يسكنون أرضاً منبسطة ليس بها جبال أو أشجار يحتمون بظلالها من لهيب الشمس فلا يوجد ساتر بينهم وبين حرارة الشمس الحارقة، فدعاهم للإيمان بالله، تعالى، وسخر المعارف والعلوم التي وهبها له الله، تعالى، كي يبني لهم مساكن تقيهم لهيب الشمس وأشعتها الحارقة، ثم تركهم بعد أن تحسنت أحوالهم وصلحت أمورهم..

يأجوج ومأجوج

مضى ذو القرنين كي يستكمل دعوته إلى الله، عز وجل، فمر بطريق بين الجبال يقال أنها تقع اليوم في بلاد الصين، حيث التقى قوماً يتحدثون بلغة غريبة لا يكاد يفهمها أحد، فحاول التفاهم معهم بالاستعانة بالمترجمين، الذين ترجموا له شكوى هؤلاء القوم من قبيلتين جبارتين ينشر أهلها الفساد في الأرض، ويأذون كل من حولهم، ويتصفون بالشراسة والقوة، وبضخامة أجسادهم، واستدارة وجوههم وبعيونهم الصغيرة، وألوان شعورهم التي يختلط فيها اللونان الأسود والأحمر، كما أخبر أولئك المستضعفون ذي القرنين  بأنهم يتكاثرون وينتشرون في الأرض بسرعة كبيرة، وبأن اسم هاتين القبيلتين هو يأجوج ومأجوج.

سكنت هاتان القبيلتان في وادٍ بين جبلين ليس له سوى مخرجٍ واحدٍ فقط، فقال المستضعفون لذي القرنين: سنعطيك الأموال مقابل أن ترد عنا أذى يأجوج ومأجوج، بأن تبني لنا سداً يفصلهم عنا، فأراد ذو القرنين أن يساعدهم، بشرط أن يكونوا فاعلين في مساعدة أنفسهم ومجتمعهم، فطلب منهم أن يعينوه على بناء السد، وذلك على الرغم من امتلاكه لجيشٍ جبار، وذلك بأن يجمعوا له قطع الحديد، التي قام بتقطيعها ورصها فوق بعضها البعض، حتى أصبحت كتل الحديد بمستوى ارتفاع الجبلين، ثم أمرهم بإيقاد النار من تحت صفائح الحديد، إلى أن أصبح لونها أحمر وشارفت على الانصهار، فقام عندها بسكب النحاس المنصهر فوقه كي يتماسك الخليط، ويصبح قوياً ومحمياً من الصدأ والتآكل.

هذا من فضل ربي

اختبر ذو القرنين السد مراراً حتى تأكد من قوته ومنعته وبأنه قد تمكن من حبس يأجوج ومأجوج خلفه لمنع أذاهم عن غيرهم، وعلى الرغم من هذا الإنجاز العظيم في حينه، إلا أنه لم يصب بالكبر أو الغرور، بل قام بنسب الفضل في هذا الإنجاز العظيم للقوى التي منحها له الله، سبحانه وتعالى، كأفضل ما يكون العبد الشكور لربه.

حاولت قبيلتي يأجوج ومأجوج القفز فوق الردم الذي صنعه ذو القرنين، ثم حاولوا ثقبه وتحطيمه من دون جدوى، وبقوا حتى اليوم يتناسلون ويتكاثرون ويحاولون تحطيم السد والخروج مجدداً إلى الأرض ليفسدوا فيها، وذكر المفسرون أنهم في كل مرة يحفرون فيها ثقباً في السد يقولون: سنكمل في الغد، ثم يأتون وإذا به قد أغلق مجدداً، إلى أن يأتي منهم من يحفر فيقول: سأكمل غداً بإذن الله، فيأتي، فيرى الثقب مكانه، فيكملوا الحفر إلى أن يخرجوا من السد، لينتشروا في الدنيا، ويعيثوا فيها الخراب والفساد، كما ذَكر النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، بأنهم سيخرجون بعد نزول عيسى، عليه السلام، وسينتشرون في الأرض يخربونها ويقتلون الناس حتى يعتصم عيسى، عليه السلام، مع أتباعه في جبال فلسطين، فيسعون وراءهم وفي الطريق سيشرب أول جندي منهم من بحيرة طبريا حتى إذا وصل آخر جندي لم يجد إلا الطين المبلول لكثرة عددهم فيقال: قد كان هنا ماء.