رمضان في الفريج الإماراتي

كانت المناطق في دولة الإمارات العربية المتحدة قديماً، قبل النهضة الحضارية والتوسع العمراني، مقسمة لمجموعة من الفرجان (جمع فريج) وهو الحي أو المنطقة السكنية التي كانت البيوت تتجاور فيها، ويعرف جميع السكان بعضهم البعض، ويتعاملون كعائلة واحدة ممتدة، وهو ما كان يمنح المناسبات الدينية والاجتماعية كشهر رمضان المبارك، نكهة خاصة ومحببة، فما هي أهم العادات والطقوس الدينية والاجتماعية التي كانت تمنح الشهر الكريم أجواءه الشديدة الجمال والخصوصية في الفريج الإماراتي؟
هذا ما سنتعرف عليه فيما يلي...

الاستعداد لاستقبال الشهر الكريم

يعد الاحتفال بليلة النصف من شهر شعبان والتي تعرف بـ "حق الليلة"، من أبرز مظاهر الاستعداد لقدوم شهر رمضان المبارك، حيث جرت العادة قديماً على تجهيز سلال الحلويات والمكسرات لتوزيعها على أطفال الفريج، الذين يرتدون أجمل الثياب ويتنقلون بين البيوت، وهم ينشدون الأغاني والأهازيج لأصحابها، ليجودوا عليهم بما لذ وطاب من المكسرات والحلويات اللذيذة، التي يتلقونها شاكرين.
وكانت الأسواق تمتلئ بأصناف البضائع كالأرز والتمور، والحبوب، إضافة للحوم والماشية والأسماك، والبهارات والطحين، وهي السلع التي يزداد الإقبال عليها خلال رمضان، حيث تبدأ النساء قبل الشهر الكريم بتجميع وطحن المؤن لتحضير المأكولات لعائلاتهم وجيرانهم، مع تخصيص جزء من هذه المؤن للمحتاجين والمعوزين من أبناء الفريج.
كما كان تنظيف وتجهيز المساجد من المهام التي يقوم بها أبناء الفريج لاستقبال الشهر الفضيل، حيث يجتمعون لتنظيف المساجد وتعطيرها، وإعادة ترتيب أماكن الصلاة لاستيعاب أعداداً أكبر من المصلين، فضلاً عن تجهيز مساحات خاصة لتقديم الطعام، ليكسر المصلون صيامهم في المسجد، أو لتناول وجبة السحور الأولى فيه استعداداً لصيام أول يوم من أيام رمضان، وهو الطقس الذي يحمل سحراً خاصاً يملأ القلوب بالفرح والحبور، وكان مسحراتي الفريج أو "أبو طبيلة"، يبدأ استعداداته للقيام بواجبه في إيقاظ أبناء الفريج، لتناول وجبة السحور التي كانت غالباً ما تقتصر على التمر أو اللبن، أو خبز الرقاق أو الأرز المغمس في الحليب مع الماء والتمر. 

رؤية الهلال

نظراً لافتقارهم للوسائل التكنولوجية التي تمكنهم من رؤية هلال شهر رمضان، كان أهل الفريج يختارون مجموعة من الشباب ذوي النظر الحاد، لتكليفهم بتحري رؤية هلال رمضان، وكان الواحد منهم يلقب بـ "الشَّواف" وذلك نظراً لتمتعه بحدة البصر، حيث كانوا يتحرون الهلال بالخروج للمناطق المرتفعة والبعيدة عن المدينة، ليعودوا بعدها بالبشرى السارة التي يزفونها لأبناء الفريج، إيذاناً ببدء شهر البركة والرحمات.
كما جرت العادة أيضاً أن يتحرى سكان الجبال هلال شهر رمضان، فإن رأوه أشعلوا ناراً عظيمة لتبليغ أبناء السهول بولادة الهلال.

إفطار اليوم الأول من رمضان

يعد اجتماع جميع أفراد العائلة في بيت الجد والجدة أو منزل كبير العائلة لتناول وجبة الإفطار في أول أيام الشهر المبارك، من أهم العادات والتقاليد الإماراتية الأصيلة، التي لا يزال أبناء مجتمع الإمارات يمارسونها ويحرصون عليها إلى اليوم، ولعل هذا الاجتماع العائلي هو صورة مصغرة عن اجتماع أبناء الفريج معاً، فيما مضى، على مائدة إفطار اليوم الأول من رمضان، حيث تجلب كل عائلة إفطارها ليتناول الجميع الطعام سويةً، ففي مثل هذه الأوقات المباركة تحل المشاكل، وتزول الخلافات ويتصالح المتخاصمون، خاصة مع تحلقهم جميعاً حول مائدة واحدة، تمد في أحد بيوت الفريج. 

الطعام والمشروبات

تمتاز سفرة الشهر المبارك باحتوائها على أطيب أنواع المأكولات والمشروبات، فكما هو الحال اليوم، كانت سفرة رمضان تشتهر بوجود الأصناف التي يقبل عليها الصائمون كالهريس والفريد أو (الثريد) وهي من الأطباق التي يسهل على الصائم تناولها، كما كانت الحلويات الرمضانية كاللقيمات والساقو والفرني (الأرز بالحليب) حاضرة دوما على سفرة الإفطار، وجرت العادة على أن يكسر الصائمون صيامهم بتناول القليل من الماء أو اللبن مع بضع تمرات سيراً على نهج رسولنا الكريم محمد، صلى الله عليه وسلم.
ولعل واحدة من أجمل العادات الرمضانية التي كانت ولا تزال تميز أجواء الشهر الفضيل في الفريج الإماراتي، هي تبادل أطباق الإفطار بين الجيران، فما أن يقترب موعد أذان المغرب حتى ينتشر أطفال الفريج يوزعون أطباق الإفطار على بيوت الأحباء والجيران، في مظهر من أجمل مظاهر التعاضد والتكاتف والتسامح، وكان يقال للمرأة حينها أنها "تكبر الجدر" أي أنها تطهو الطعام بكميات تكفي أهل المنزل وأهل الفريج أيضاً، في دلالة على الكرم والتراحم في زمن الطيبين.

الطقوس الدينية الاجتماعية 

ارتبط الشهر الفضيل بالعديد من الطقوس الدينية والاجتماعية المحببة كقراءة وختم القرآن الكريم، والحرص على أداء الصلوات في المساجد وخاصة صلاة التراويح، حيث كان الرجال يتجهون إلى مسجد الفريج مباشرة بعد الإفطار، وفي بعض الأحيان كانت النساء يذهبن أيضاً إلى المسجد بصحبة أحد المحارم لصلاة التراويح، وإن كانت غالبية النساء يفضلن الاجتماع في المنزل وأداء الصلاة مع بناتهن وقريباتهن.
بعد الصلاة كان أهل الفريج يجتمعون معاً للسمر والسهر وتبادل الأحاديث، فالسهر لوقت متأخرٍ نسبياً من الطقوس الساحرة التي اشتهر بها الشهر الكريم، حيث يجتمع الأطفال لممارسة الألعاب الشعبية التي كان لكلاً منها خصوصيته وأغانيه وأهازيجه التراثية الجميلة، فيما تجتمع النساء للحياكة وصناعة البراقع، في الوقت الذي يجتمع فيه الرجال في المجالس لتبادل الأحاديث وزيارة الأرحام والتحقق من أحوال المحتاجين، وبعد النوم لساعات قليلة يستيقظ الجميع بمن فيهم الأطفال الذين لم يبلغوا سن التكليف بعد، على صوت "أبو طبيلة" لتناول وجبة السحور  ومصاحبة آبائهم لصلاة الفجر، ومن ثم للاستعداد ليوم صوم جديد.